تحديات داخلية وخارجية ترسم ملامح خارط الانتخابات التركية

تقرير: محمد صادق أمين

2٬524

مع اقتراب موعد انتخابات الإدارة المحلية التركية المقررة في 31 مارس، بدأت تتضح خارطة التحالفات بين مختلف القوى السياسية، مع بروز تحديات خارجية وداخلية تحيط بالعملية ونتائجها المتوقعة.

ويولي حزب العدالة والتنمية الحاكم هذه الانتخابات أهمية بالغة ويحرص على الحصول على ما يزيد على 50٪ من المقاعد، لترسيخ الوصول إلى الهدف الذي رسمه الرئيس رجب طيب أردوغان وهو تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، وهو هدف يسعى لتحقيقه على مراحل، تنتهي مرحلته الأولى عام 2023، الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.

وبحسب أدبيات الحزب فإنه يسعى للوصول بالبلاد إلى مصاف الدول المتقدمة على الصعيد العالمي، من الناحية الاقتصادية والعسكرية، إلى جانب تحقيق الرفاهية، التي بدأت بتنفيذ مشاريع كبرى تحقق بعضها، وبعضها الآخر قيد التنفيذ، ولاتزال مشاريع أخرى على الورق تنتظر أن يحصل الحزب الحاكم على المزيد من التفويض والشعبية لتنفيذها.

خارطة التحالفات

الترشيحات المقدمة للانتخابات البلدية في تركيا تظهر أن حزب العدالة والتنمية مستمر في تحالفه مع الحركة القومية فيما يعرف بـ”التحالف الجمهوري” والذي يضم كذلك حزب الوحدة الكبرى، وهو حزب صغير.

ونزل الحزب الحاكم بقوة في محافظة إسطنبول معتبراً أن من يفوز بها يفوز بتركيا، ولذلك قدم لبلديتها الكبرى أقوى مرشحيه رئيس البرلمان بن علي يلدريم، الذي استقال من منصبه، مع بدء حملته الانتخابية.

من جهتها تراهن المعارضة التركية على زعزعة القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، بعد أن تسبب تأسيس الحزب الجيد خلال الانتخابات البرلمانية قبل عام، بانحياز نسبة من ناخبي العدالة والحركة القومية لصالح الحزب الجديد، حيث تمكن من دخول البرلمان بتعاونه مع تحالف الشعب، وهو الأمر الذي أدى لإعادة ترتيب خارطة الحراك السياسي في البلد.

ويستمر الحزب الجيد في تحالفه مع حزب الشعب الجمهوري العلماني الكمالي تحت اسم “تحالف الشعب”، ويحظى تحالف المعارضة بدعم حزب السعادة الإسلامي، كما يقف في صف المعارضة بقوة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي اليساري وإن لم يكن هذا التأييد بشكل معلن.

تحديات داخلية

تواجه هذه الانتخابات على أهميتها تحديات داخلية وخارجية، ترتبط بمصير تركيا واستمرار مشروع حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان.

مصطفى عبدالعزيز صحفي مصري متابع للشأن التركي، قال لـ”الخليج أونلاين”: إن “هذه الانتخابات مهمة من عدة أوجه؛ أولها أن معارضي حزب العدالة والتنمية الحاكم يسعون إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وفي حال تراجع الحزب عن معدل 50٪، هناك احتمال ان تلجأ المعارضة إلى أسلوب التظاهر والاحتجاجات الشعبية للحصول على هذا المطلب”.

وأضاف: “من خلال متابعة إعلام المعارضة نجد أن هناك تركيزاً على الأوضاع الاقتصادية، والحديث عن فشل سياسات العدالة الاقتصادية، وانعكاس ذلك على ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة، وهو الجانب المؤثر في الناخب التركي”.

عبدالعزيز يرى، أن “المعارضة التركية تأمل باستخدام ورقة الاقتصاد لتحقيق مكاسب على حساب العدالة والتمية، وهي تأمل في حال تحقيقها مكاسب انتخابية في تأجيج الشارع التركي، تحت وطأة ارتفاع التضخم، وهي تسوّق عبر إعلامها محاولة الحكومة خفض أسعار الخضار مؤخراً على أنها محاولة للتحايل على الشارع لأن الخطوة جاءت متزامنة مع الانتخابات”.

تحديات خارجية

لا تقتصر التحديات التي تواجه الانتخابات على البعد الداخلي، فتركيا بموقعها الاستراتيجي مؤثرة في مجريات الأحداث الإقليمية والدولية، وقد أزعجت مواقف أنقرة في السنوات الماضية العديد من الدول في المنطقة والعالم.

عثمان علي الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة سقاريا التركية، يرى أن “العديد من دول العالم ستجعل هذه الانتخابات تحت نظرها ومتابعتها خصوصاً في الشرق الأوسط، فموقف تركيا من مختلف ملفات المنطقة ازعجت الولايات المتحدة الأمريكية وأروبا كموقفها من صفقة القرن، ودعمها ثورات الربيع العربي في سورية ومصر وليبيا وتونس واليمن”.

وتابع في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: أن “رفض تركيا لتصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن، ورفضها حصار إيران، وتقاربها مع روسيا متجسداً بشراء صواريخ أس 400، لن يمر بسلام لدى صناع السياسة الأمريكية، ودعم معارضي أردوغان أراه خياراً استراتيجياً لدى واشنطن”.

واستدرك علي بالقول: “لذلك ومن خلال متابعتي أجد أن الرئيس أردوغان يولي هذه الانتخابات اهتماماً كبيراً، ويتابعها شخصياً بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، واختياره بن علي يلدرم للترشح لبلدية إسطنبول يعكس هذا الاهتمام فإسطنبول تساوي تركيا”.

الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة سقاريا أعرب عن اعتقاده، أن “العامل الخارجي يراهن على ظهور حزب الجديد وتمكنه من الحصول على نسبة أصوات كافية أهلته لدخول البرلمان، في مقابل تراجع نسبي بأصوات العدالة والتنمية، لذلك قد يرى المنزعجين من سياسيات تركيا في الانتخابات فرصة ذهبية للتخلص من اردوغان، بعد أن فشل محاولات سابقة بدعم أطراف في المعارضة أو دعم حزب العمال بشكل غير مباشر، حتى وصل الأمر لدعم الانقلاب العسكري في عام 2016”.

شكلت موافقة الناخبين الاتراك على التعديلات الدستورية التي وافق عليها الناخبون الأتراك عام 2017، نقلة نوعية في مشروع تركيا الحديثة، وجاء فوز أردوغان بالرئاسة وحزب العدلة والتنمية بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت يوم 24 يونيو 2018، لتشكل حلقة أخرى من حلقات القوة لصالح المشروع، فهل ستقدم الانتخابات البلدية 31 مارس 2019 المزيد من حلقات القوة للمشروع، أم أن التحديات الداخلية والخارجية سيكون لها كلمتها؟. صناديق الاقتراع في الانتخابات التركية ستجيب على هذا التساؤل في الأيام القليلة القادمة.

لا يوجد تعليقات.