تصعيد الهند وباكستان.. هل تلفح نيرانه الاقتصاد العالمي؟

1٬974

ارتفعت حدّة التصعيد العسكري بين الهند وباكستان خلال الأسابيع الماضية؛ على خلفية الصراع على إقليم كشمير، في ظل حالة من التوتر المتسارع تُنذر باندلاع حرب كبرى في المنطقة إذا لم يُتدارك الأمر.

وبالتزامن مع هذا التصعيد حذّر اقتصاديون من أن استمرار حالة التوتر أو اندلاع حرب بين البلدين سيقود اقتصاد إسلام آباد ونيودلهي والدول المرتبطة بهما تجارياً إلى مصير غاية في الخطورة، وخسائر عملاقة.

صراع تاريخي

وبدأ النزاع على إقليم كشمير بين الهند وباكستان منذ نيلهما الاستقلال، حيث نشبت 3 حروب بينهما؛ في أعوام 1948، و1965، و1971، أسفرت عن مقتل قرابة 70 ألف شخصٍ من الطرفين.

ويطالب سكان إقليم كشمير بالانفصال عن الهند والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسامهما الإقليم ذا الأغلبية المسلمة.

ولا تزال المشكلة من أكبر قضايا التوتّر في جنوب قارة آسيا، وقد ازدادت أهميتها بعد التجارب النووية التي أدخلت البلدين إلى النادي النووي، وبات خطر نشوب حرب بينهما يحمل مخاطر على الأمن والسلم الدوليين.

ومنذ 14 فبراير الماضي، تخيّم أجواء الحرب على الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير؛ التي قسمتها الحروب على جانبي جغرافيا بلدي النزاع، بعد أن أعلنت الشرطة أن سيارة يقودها انتحاري صدمت حافلة كانت تقلّ عناصر من الشرطة الهندية، وهو ما أدى إلى مقتل 44 منهم، في أسوأ هجوم منذ عقود على قوات الأمن في الإقليم المتنازع عليه.

وحمّلت الهند جماعةجيش محمد، ومقرّها باكستان، مسؤولية الهجوم، وطالبت جارتها بالتحرك ضد الجماعات المسلحة التي تعمل انطلاقاً من أراضيها، وبادرت مقاتلاتها لشن غارة، الثلاثاء (26 فبراير)، على الأراضي الباكستانية، حيث قال وزير الزراعة الهندي إن الغارة استهدفتمعسكرات للإرهاب“.

وفي أول رد فعل ميداني على الغارة أعلن متحدث عسكري هندي أن القوات الهندية والباكستانية تبادلت إطلاق النار عبر الحدود.

دبلوماسياً استدعت وزارة الخارجية الباكستانية القائم بأعمال المفوض السامي الهندي احتجاجاً على الغارات.

ومنذ ساعات الصباح الأولى من يوم الأربعاء 27 فبراير، لقي طياران هنديان ومدني مصرعهم إثر تحطم مقاتلة سقطت في الشطر الهندي من إقليم كشمير، في حين سقطت طائرة أخرى في داخل باكستان وأُسر أحد طيّاريها.

وبعد وقت قصير أعلنت وسائل إعلام هندية إسقاط الجيش الهندي مقاتلة باكستانية.

والجمعة الماضي، سلّمت إسلام آباد إلى نيودلهي الطيار الهندي الذي أسرته بعد إسقاط طائرته داخل الأراضي الباكستانية.

عواقب اقتصادية خطيرة

وإذا كانت التبعات السياسية لهذا التوتر صعبة فإن العواقب الاقتصادية خطيرة للغاية؛ خاصة إذا تطورت المواجهات إلى حرب، فنيران هذه الحرب ستحرق اقتصاد الدولتين وتلفح حرارتها اقتصادات الدول المرتبطة بالجارتين؛ مثل بلدان الخليج العربي، وتركيا، وإيران، والصين، وكل ذلك سينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي.

وحول ذلك يقول المحلل الاقتصادي جمال جبون: إنحالة التصعيد القائمة بين إسلام آباد ونيودلهي سينعكس استمرارها أو تصاعدها على اقتصاد الدولتين أولاً، خاصة أن حجم التبادل التجاري المشترك بينهما يزيد عن 9.4 مليارات دولار، جزء منه رسمي وآخر غير رسمي“.

ويضيف جبون: “سينعكس هذا التصعيد أيضاً على الدول المجاورة وتلك التي تملك علاقات تجارية مع الهند وباكستان؛ مثل تركيا والصين ودول الخليج وروسيا وبعض الدول الأفريقية التي تملك علاقات تجارية مع الهند“.

ورأى أن المئات من أصناف السلع ستتأثر حركة انتقالها وتوفرها بسبب هذا التصعيد، كما ستنهار استثمارات عملاقة تملكها دول كبرى في الهند وباكستان، ما سيوجه ضربات قوية لاقتصادات تلك الدول.

ويؤكد جبون أن اشتعال أي صراع في آسيا، وخاصة في هذه المنطقة، سينتقل تأثيره إلى أوروبا وأمريكا والصين والمنطقة العربية؛ نتيجة للروابط المهمة لدول جنوب وجنوب شرق آسيا مع الاقتصادات العالمية الكبرى.

والاقتصاد الهندي من أعلى اقتصادات العالم نمواً، والعام الماضي حلّ في المرتبة الخامسة عالمياً، متجاوزاً نظيريه البريطاني والفرنسي، بحسب بيانات البنك الدولي.

ورغم أن الاقتصاد الباكستاني يواجه عقبات تحدّ من نموه فإن إسلام آباد تملك علاقات اقتصادية قوية مع بلدان الخليج العربي، حيث تستحوذ دول الخليج على 20% من حجم التجارة الخارجية لباكستان.

تضرّر التجارة الدولية

في السياق ذاته يقول المحلل الاقتصادي عبد الرحمن العساف: إنالهند وباكستان تشاركان باتحاد جنوب آسيا للتعاون الإقليمي الذي يضم بنغلاديش وسيرلانكا ونيبال وجزر المالديف وبوتان وأفغانستان، وقد وقّعت هذه الدول قبل عدة أعوام اتفاقية للتجارة الحرة تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي لدول المنطقة“.

ويرى العساف، أن اندلاع الحرب بين الهند وباكستان بسبب التصعيد الحالي سيعني انهيار اتفاقية التجارة الحرة واتحاد جنوب آسيا، ما سينعكس على خطط التنمية الاقتصادية لدول الاتحاد.

ويعتقد أن اندلاع الحرب بين الجارتين الآسيويتين سيتسبّب لهما بخسارة جميع أو معظم الاستثمارات الأجنبية فيهما، ومن ثم إلحاق أضرار كبيرة باقتصادات الدول التي تملك هذه الاستثمارات.

وبلغ تدفّق الاستثمارات الأجنبية المباشرة التراكمي إلى الهند، خلال العامين 2016 و2017، نحو 114.4 مليار دولار، وفقاً لتقديرات وردت بتقرير صادر عن مؤسسةكي بي إم جيالمحاسبية الدولية.

ولا تتوفّر بيانات دقيقة حول حجم الاستثمارات الأجنبية في باكستان، لكنها تقدَّر بمليارات الدولات أيضاً، ومعظمها تملكها الصين ودول الخليج العربي ودول أوروبية، إضافة للولايات المتحدة.

ويشير المحلل الاقتصادي إلى أن حركة التجارة الدولية قد تتأثر بشدة في حال تحوّل التصعيد المحدود إلى حرب حقيقية على الأرض؛ فالسفن وحاويات التجارة ستغيّر مساراتها لتفادي مناطق الصراع، إضافة إلى أن الطلب سيزداد على سلع محددة؛ كالنفط والحبوب والمعادن، ومن ثم سترتفع أسعارها بشكل غير مسبوق.

وتوقع أن تغيّر مسارات السفن سيؤدي إلى طول مدة رحلاتها، ومن ثم ارتفاع كلفة تأمينها وأسعار الشحن.

الأضرار ستطول دول الخليج

ولعل اقتصادات دول الخليج العربي من أكثر الدول التي قد تطولها تداعيات الصراع بين الهند وباكستان.

وتبلغ حصة دول الخليج مجتمعة نحو 14% من حجم التجارة الخارجية للهند، بما قيمته 103 مليارات دولار، في حين تقترب حصتها من التجارة الخارجية لباكستان من 20%، بما يعادل 15.6 مليار دولار.

وترفع صادرات النفط درجة العلاقات التجارية بين الهند وباكستان ودول الخليج؛ فالأخيرة تحتلّ المرتبة الـ25 من حيث استيراد النفط، وغالبية هذا النفط تحصل عليه من دول مجلس التعاون الخليجي.

وتأتي الهند بالمرتبة الثالثة عالمياً من حيث استيراد النفط، وتحصل على 37% من نفطها من دول الخليج.

وبأرقام أكثر تفصيلاً؛ فإن حجم التجارة بين الهند والإمارات يبلغ 53 مليار دولار، ومع السعودية 26 مليار دولار، ومع قطر 9 مليارات دولار، والكويت 7 مليارات دولار، وسلطنة عُمان 6 مليارات دولار، والبحرين 900 مليون دولار.

أما التجارة بين باكستان والإمارات فتقدّر بـ8 مليارات دولار، وبينها وبين السعودية بـ3 مليارات دولار، ومع قطر 1.7 مليار دولار، والكويت 1.6 مليار دولار، وسلطنة عُمان 800 مليون دولار، والبحرين مليون دولار فقط.

وتشير هذه الأرقام إلى أن زيادة مستوى التصعيد بين الهند وباكستان وتأثر المجال الجوي أو حركة النقل بسبب ذلك سيؤثر في العلاقات التجارية بين الدولتين وبلدان الخليج، ومن ثم سيتسبّب بخسائر هائلة لجميع هذه الدول.

لا يوجد تعليقات.