هل تسعى واشنطن لإشغال تركيا وروسيا في معركة استنزاف للطرفين؟

زاهر البيك-الجزيرة

1٬766

بالنظر إلى تجارب سابقة حول موقف الأميركيين الذي بدا غير معني كثيرا بالملف السوري، وفي الوقت الذي تعد فيه أميركا حليفا لتركيا مما يتطلب تعاون الحلفاء في مواجهة روسيا والنظام السوري في إدلب، يرجح مراقبون أتراك اكتفاء واشنطن بالدعم الدبلوماسي لبلادهم دون تقديم أي نوع من الدعم العسكري الذي يحتاجه الجيش التركي ولا سيما في نظام الدفاع الجوي.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إن تنفيذ عملية عسكرية تركية لصد هجوم قوات الحكومة السورية على معاقل المعارضة في شمال غرب سوريا بات “مسألة وقت”، بعدما أخفقت محادثات مع روسيا في وقف الهجوم.

من جانبها، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن الروس والأتراك يقتربون من نزاع عسكري في سوريا، في حين تحدث المبعوث الأممي إلى سوريا عن تصعيد وشيك جديد، داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار في إدلب.

فرصة لواشنطن

وفي هذا السياق، قال أستاذ العلاقات الدولية في أنقرة علي باكير، “إذا لم ينسحب نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد من المناطق التي أعاد احتلالها مع نهاية الشهر الجاري، ولم تصل أنقرة إلى اتفاق من أي نوع مع روسيا، فهناك احتمال كبير في أن تطلق تركيا عملية عسكرية في إدلب بغض النظر عمّا إذا كانت ستحظى بدعم من الولايات المتّحدة والناتو أم لا”. موضحا أنه “لا يوجد الكثير من الخيارات لدى أنقرة، وليس لديها ترف تجاهل ما يجري، لأنها أصبحت تدافع عن عمقها وجنودها هذه المرة وليس عن السوريين فقط”.

وأضاف باكير “موقف الخارجية الأميركية وتصريحات الممثل الأميركي الخاص للشأن السوري جيمس جفري ممتازة لكن ليست هذه الأطراف التي تقرر عن الجانب الأميركي في سوريا، فالبنتاغون هو الطرف المقرر ولم نسمع منه أي تعليق حتى الآن”.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية أنه إذا فشلت واشنطن هذه المرة في الاختبار كما حصل في أواخر 2015 ولم تقدم الدعم العسكري واللوجستي لتركيا من خلالها أو عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهذا سيرسل رسالة سيئة توحي بضعف الحلف في مواجهة روسيا، وأيضا يرسل رسالة سلبية إلى حلفاء أميركا حول العالم الذين يراقبون السلوك الأميركي مع حليفه التركي، وأيضا سيقوي شوكة النظام الإيراني والموقف الروسي في سوريا، فإذا تمدد الصدام سيصل عاجلا أو آجلا إلى الشرق السوري حيث توجد القوات الأميركية.

وزاد باكير “لدى واشنطن فرصة حقيقية لإصلاح العلاقة مع تركيا وجذبها من روسيا ووقف تمدد النظام السوري وإيران، لذلك من مصلحة واشنطن دعم أنقرة في الوقت الحالي وعدم الاكتفاء بالدعم الدبلوماسي”.

وعن احتمال حصول تصادم بين تركيا وروسيا، ذكر باكير أن هذا الخيار يبقى واردا، لكن بالنظر إلى اعتماد أنقرة بشكل كبير على موسكو في عدد من المجالات الاقتصادية، فإن المواجهة ستكون خيارا سيئا لأنقرة إلا إذا كانت قد ضمنت دعما عسكريا من واشنطن وهو احتمال ضعيف، بالنظر إلى أن الجانب الأميركي قد لا يريد التدخل مباشرة.

إذا ما صح هذا التحليل، فذلك يعني أن التهديد باستعادة المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد، أخيرا، هو السقف العالي الذي سيتفاوض المسؤولون الأتراك مع روسيا حوله، حسب باكير.

دعم دبلوماسي

من جانبه، استبعد الكاتب الصحفي المقرب من الحكومة التركية حقي أتاباش أن يلعب حلف الناتو أي دور عسكري على الأرض دعما لتركيا الدولة العضو في الحلف على خلفية التصعيد الأخير، لكنه ربما يدعم تركيا دبلوماسيا.

وبالنظر إلى تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين الذي أكد فيها أن “روسيا لا تساعد في تهدئة الموقف في إدلب ولا تركيا أيضا، ماذا علينا أن نفعل وسط هذه الهجمات على إدلب، هل نهبط عليهم من السماء ونطالبهم بوقف القتال؟”، يعتقد أتاباش أن السعي الأميركي مجرد حديث مؤقت، وهو لتأجيج الوضع أكثر بين تركيا وروسيا من أجل إضعاف تركيا وجلبها من روسيا.

لكن الكاتب الصحفي التركي أكد للجزيرة نت أنه في حال وقوع مواجهة عسكرية أوسع في إدلب، ستكون تركيا بحاجة ماسة إلى دعم بأنظمة دفاعية متطورة بأقصى سرعة ممكنة، حيث كانت تعتمد بدرجة أساسية على أنظمة باتريوت الأميركية التي يتم نصبها مؤقتا من قبل الحلف، لكن أغلب هذه الأنظمة جرى سحبها في ظل تعاظم الخلافات مع هذه الدول وشراء أنقرة منظومة “أس400” الدفاعية من روسيا، وهي المنظومة التي لم تدخل الخدمة بعد.

وذكر أتاباش أن “الرئيس التركي يدرك أنه يجب ألا يخسر العلاقة الجيدة التي تجمعه بروسيا، خاصة مع إدراكه من خلال خبرة الأشهر القليلة الماضية كم العداء الذي يكنه الكونغرس لسياسات ومواقف تركيا في المنطقة”.

ولفت أتاباش إلى أن واشنطن تدرك في الوقت ذاته أن بوتين يرغب في شق وحدة حلف الناتو، مستبعدا أن يكون بوتين يريد التصعيد مع تركيا، مؤكدا أنه يريد فقط خدمة مصالح النظام السوري في بعض مناطق شمال سوريا واحتواء خطر المعارضة المسلحة.

لا يوجد تعليقات.